ج ٥، ص : ٧٣٣
جزية لأنها إمّا من الجزاء، فى مقابل الذنب الذي ارتكبوه بإفساد عقيدتهم، وإمّا من المجازاة، فى مقابل حفظ نفوسهم، وصيانتهم من القتل.
ويجىء الأمر هنا بقتال الذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر، بعد أن انكشف للمسلمين موقفهم من أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر، وبعد أن نهاهم اللّه سبحانه وتعالى عن موالاة غير المؤمنين، حتى ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم.. ثم بعد أن ذكر اللّه سبحانه نصره لهم فى مواطن كثيرة، لم يكن بين أيديهم فيها من وسائل الغلب والنصر شىء..
وإذ يجىء الأمر بقتال الذين لا يؤمنون باللّه، بعد هذا الموقف الذي أثار مشاعر المسلمين، وقوّى عزائمهم، ووثق إيمانهم ـ فإنه يقع موقعه من نفوسهم، ويثمر ثمرته الطيبة فيهم، إذ يقبلون على القتال، وقد خلت نفوسهم من مشاعر المودة بينهم وبين الذين لا يؤمنون باللّه، ولو كانوا أقرب الناس.. فلا يلتفت المجاهد إلى أهل أو مال، ولا ينظر إلى نفسه أكثر مما ينظر إلى دينه، والانتصار له، ودفع يد العدوّ عنه..
وقد جاء الأمر بقتال الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر فى صيغة العموم هكذا :« قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ.. الآية ».
وهذه الآية من سورة التوبة كما ترى، وقد نزلت بعد أن فتح النبىّ مكة، وبعد أن هزمت هوازن فى حنين، وبعد أن بسط الإسلام سلطانه على الجزيرة العربية كلّها..
والسؤال هنا هو : إلى من يتّجه الأمر إلى المسلمين بقتالهم، بعد أن دخل العرب فى الإسلام ؟.
والجواب على هذا، هو ما تضمنه قوله تعالى :« قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ