ج ٦، ص : ١١٠٩
قوله تعالى :« وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ».
هو عرض كاشف لحال الإنسان، وموقفه من نعم اللّه ونقمه..
فهو إذا أذاقه اللّه سبحانه وتعالى طعم نعمة من نعمه، وذلك من رحمة اللّه به، وإحسانه إليه ـ سكن إليها واطمأن بها، وشغله الاستمتاع بها عن ذكر اللّه، بل وعن الإيمان باللّه..!
فإذا نزع اللّه سبحانه وتعالى منه هذه النعمة ـ وذلك بسبب ما كان منه من انحراف عن اللّه، ليكون له من ذلك نخسة تذكره باللّه ـ إذا فعل اللّه سبحانه وتعالى ذلك به، يئس من رحمة اللّه، وكفر به وبآلائه، ولم يعد يذكر شيئا مما كان للّه عليه من فضل.. فإذا عاد اللّه بفضله عليه، وأذاقه من رحمته، لم يذكر اللّه، وإنما يذكر نفسه، ويشغل عن اللّه بالفرحة، بزوال هذا البلاء الذي كان فيه، ويستعلى على الناس تيها وفخرا.
وفى التعبير عن النعم بالرحمة، إشارة إلى أنها من فيض رحمة اللّه على عباده..
وفى التعبير عن زوال النعمة بالنزع، إشارة إلى أن هذه النعمة كانت ثوبا ستر اللّه به من أنعم عليه بها، فلما لم يؤدّ ما لهذا النعمة من واجب الشكر للّه عليها، واتّخذ منها سلاحا يحارب به اللّه، ومطية يمتطيها إلى تخطى حدوده ـ انتزع اللّه هذا الثوب الذي كان يستره به، وأخذه بقوله سبحانه :« ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » (٥٣ : الأنفال).
وقوله تعالى :« إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ » ـ هو استثناء من هذا الحكم العام الواقع على الإنسان فى جنسه كله،


الصفحة التالية
Icon