ج ٦، ص : ١١٣٣
قوله تعالى :« وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ».
ومن حجّة نوح على قومه، أنه إذ يدعوهم إلى ما يدعوهم إليه، وإذ يحتمل فى سبيل ذلك ما يحتمل من جهد وبلاء ـ أنه لا يسألهم أجرا على هذا العمل، الذي يحتمل من أجله ما يحتمل من عناء، وإنما هو حسبة للّه.. ولو أن نوحا كان يبغى بما يدعوهم إليه أجرا منهم، أو نفعا ذاتيا له، لكان لهم أن يظنّوا به الظنون، وأن يرتابوا فى أمره، وفى هذا الإلحاح الّذى يلحّ به عليهم، رغم ما يجبهونه من تكذيب، وما يرمونه به من ضرّ..
وإذ كان الأمر كذلك، فإنه مقيم على دعوته، ممسك بمن استجاب له من قومه، وإن كانوا كما يقولون فيهم، إنهم أراذلهم!.. ذلك أن القوم جميعا مدعوون إلى اللّه، ولا يأخذ الداعي أجرا من المدعوّين، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء.. أصحاب جاه وسلطان، أم مجردين من كل جاه وسلطان..
فالباب مفتوح، لكل من يريد الدخول إلى ساحة اللّه، ومن دخلها مستجيبا لدعوة اللّه، فإنه من غير المقبول أو المعقول أن يطرد بعد أن أجاب.. فهؤلاء الذين آمنوا هم فى طريقهم إلى اللّه، ولن يطردهم ويردّهم من دعاهم إليه..
ولكنّ القوم فى جهل وضلال، لا يرون حتى هذه البديهيّات من الأمور.
قوله تعالى :« وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ.. أَفَلا تَذَكَّرُونَ ».
أي إن الجماعة الذين آمنوا قد أصبحوا فى ضيافة اللّه، فكيف أعتدى على ضيوف اللّه ؟ وكيف أطردهم من ساحته وقد تحصّنوا به، ونزلوا فى حماه ؟