ج ٦، ص : ١١٤٩
أن له علما، وأن للّه سبحانه وتعالى علما فوق هذا العلم، لا تناله الأفهام، ولا تدركه العقول..
وقد علم نوح أين يقف به علمه.. فقال :
« قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ ».
فهو يستعيذ باللّه أن يجهل حدّ ما بين المخلوق والخالق، فيجاوز هذا الحد، فيكون ظالما لنفسه، معتديا على حدود اللّه.. ولهذا، فقد عرف أن ما كان منه من سؤال عن ابنه، وعن حكمة اللّه فى إغراقه مع المغرقين ـ هو أمر جاوز به الحدّ الذي ينبغى أن يقف عنده مع اللّه، فجاء إلى اللّه تائبا مستغفرا..
فتلّقاه اللّه سبحانه بالقبول والمغفرة..
فقال سبحانه :
« قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ ».
ولقد هبط نوح إلى الأرض، يصحبه السلام والبركة من اللّه :« اهبط بسلام منّا وبركات عليك، وعلى أمم ممن معك ».
. وقد أخذ الذين كانوا مع نوح حظهم من هذا السلام وتلك البركة، فكانوا جميعا محفوفين بالسلام والبركة من رب العالمين..
ـ وفى قوله تعالى :« وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ » ـ إشارة إلى أن من مواليد هؤلاء الذين كانوا مع نوح ستنشأ أمم كثيرة، وأن هذه الأمم التي ستنشأ من ذرّية هؤلاء القوم المؤمنين، لن يكونوا على شاكلة واحدة، بل سيكون منهم المؤمنون الذين يمسّهم السلام، وتحفّهم البركة من اللّه،