ج ٦، ص : ١٢١٣
قوله تعالى :« وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ »..
أي أن ما حلّ بالظالمين من هلاك هو قدر من قدر اللّه الواقع بهم، وأنه ـ سبحانه ـ لو شاء لهداهم إلى الحقّ، ولعافاهم من هذا البلاء.. « وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً » أي على حال واحدة من الإيمان، أو الكفر، ومن الهدى، أو الضلال.. فليس ذلك بعزيز على اللّه.. ولكنه ـ سبحانه ـ خالف بينهم، فجعلهم مؤمنين وكافرين، ومهتدين وضالين. كما يقول سبحانه :
« هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » (٢ : التغابن)..
ـ وفى قوله تعالى :« وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ » إشارة إلى أن هذا الاختلاف فى الناس أمر لازم اقتضته حكمة اللّه، وجعلته سنّة قائمة فيهم..
فكما اختلفوا فى صورهم وأشكالهم، وفى ألسنتهم وألوانهم، وفى أممهم وأوطانهم، وفى وجوه أعمالهم وأرزاقهم ـ اختلفوا كذلك فى معتقدهم فى اللّه، فمنهم الكافرون، ومنهم المؤمنون، ومنهم أصحاب النار، وأصحاب الجنة، « إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ » ممن ألف بين قلوبهم من المؤمنين، فكانوا كيانا واحدا، فى اتساق خطوهم على طريق الخير والهدى.. فكانوا كيانا واحدا، وجسدا واحدا تنتظمه مشاعر واحدة.. وقليل ما هم..
ـ وفى قوله تعالى :« وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ » توكيد لهذا الحكم الذي حكم اللّه به على العباد.. وأنهم هكذا خلقوا مختلفين..
ـ « وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » أي وجبت كلمة ربك ـ وحقت، وجاءت على تمامها وكمالها، لا استثناء فيها، وهى