ج ٦، ص : ١٢٥٦
انتصبت لهم الأسباب المسعدة التي وصلتهم بهم، ومكنت لهم من أن يقبسوا من الهدى الذي بين أيديهم! وكذلك الذين التقوا بالرسل والأنبياء، وكانوا حربا عليهم، وظلاما يحجب ضوء الهدى عن الناس ـ إنما اجتمعت لهم الأسباب التي وقفت بهم هذا الموقف، وساقتهم إلى هذا البلاء! فالأسباب، ألطاف من ألطاف اللّه، وآيات من آيات رحمته، يدنيها ـ سبحانه ـ من أوليائه، وييسرهم لها.. أو هى مزالق وعثرات يهوى إليها أعداء اللّه، ويتساقطون فيها.. « فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى » (٥ ـ ١٠ : الليل) ومجىء العزيز، أو ظهور الشّارة الدالة على مجيئه فى تلك اللحظة الحاسمة، هى آية من آيات اللّه، ورحمة من رحمته، ولطف من ألطافه، وحراسة قائمة على هذا النبي الكريم أن تزلّ قدمه.. وهكذا تحفّ ألطاف اللّه بعباده المخلصين، وتتداركهم رحمته، فى أمثال هذه الساعات الحرجة.. يقول اللّه تعالى فى يونس عليه السلام :« فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » (١٤٣ ـ ١٤٤ : الصافات).. فهذا التسبيح الذي ألهمه اللّه إيّاه، هو اللطف الذي أمدّه اللّه به، وهو حبل النجاة الذي أرسله إليه وهو فى بطن الحوت..
ويقول سبحانه فى يونس أيضا :« فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ » (٤٨ ـ ٥٠ : القلم) وفى هذا يقول تبارك وتعالى لمحمد صلوات اللّه وسلامه عليه :« وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ


الصفحة التالية
Icon