ج ٦، ص : ١٢٦٩
وإنه ـ فى دينه ومروءته ـ ليؤثر السّجن على ما يدعونه إليه من إثم..
ولكن للاحتمال طاقة، وللصبر حدّ، ولن يمسك عليه دينه، ويدفع عنه هذا البلاء الذي لا يحتمل، إلّا عون يعينه اللّه به، وقوة يضيفها اللّه إلى قوته.
« وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ ».
. فصرف هذا الكيد، وإبعاد تلك الفتنة من طريقه، هو الذي يصرفه عن هذا البلاء، ويعافيه من هذا الشرّ، وذلك برعاية اللّه سبحانه وتعالى له، وصرف السوء عنه.
« فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ.. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ »..
ولا تسل ما تدبير اللّه فى هذا، فذلك من قدرة اللّه، ومن آياته..
« ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ».
. أي ثم بدا للعزيز، مع ما شاهد من الآيات الدالة على عفّة يوسف وبراءته مما رمته امرأته به ـ بدا له أن يأخذه بشىء من العقاب، وأن يلقى به فى السجن، وذلك بعد أن هدأت نار الفتنة، ونسى الناس أمرها، حتى لا يقال : إن العزيز قد ألقى بيوسف فى السجن عقابا للحدث الذي كان بينه وبين امرأته.
وتعالت حكمة اللّه..!!
لقد كان هذا السجن هو الصّارف الذي صرف به سبحانه وتعالى هذا الكيد الذي يراد بعبد من عباده المخلصين.. فلقد عزله هذا السجن عزلا تامّا عن موطن الفتنة، وباعد بينه وبين آفاقها التي تطلع عليه منها..
ثم كان هذا السّجن الطريق الذي سلك به إلى هذا الملك الذي أراد سبحانه وتعالى أن يضعه بين يديه :« وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ».


الصفحة التالية
Icon