ج ٦، ص : ١٢٧٥
إلى الناس وإلى هدايتهم ودعوتهم إلى اللّه، وهو فى سجنه هذا، يعالج المحنة، ويتجرع مرارة الظلم..
وإذ يستريح إلى أنه أدّى رسالته فى هذه الحدود الضيقة، يعود فيكشف لصاحبيه عن السرّ المحجّب وراء رؤياهما..
« يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ، قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ.. »
وهكذا بعد أن قال يوسف لصاحبى سجنه ما أراد أن يقوله ـ من الدعوة إلى الإيمان باللّه، وهما مشدودان إليه بتلك الرغبة الملحة عليهما فى الاستماع إلى كلمته التي يقولها فى تأويل رؤياهما ـ أخذ يكشف لهما ـ مما أراه اللّه ـ عن تأويل هذه الرؤيا..!
ـ « أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ.. »
ويلاحظ أنه لم يقل لكل منهما على حدة تأويل رؤياه، حتى لا يواجه الذي سيصلب بهذا الخبر المزعج، بل ألقى إليهما تأويل رؤياهما معا، ليأخذ كل منهما بنفسه ما يراه متفقا مع رؤياه..
ـ وفى قوله تعالى :« قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ » توكيد لما كشف عنه من تأويل الرؤيا، وأن ذلك الذي كشف له عنهما من رؤياهما، هو أمر واقع، قضى اللّه به، ولا رادّ لما قضى اللّه!..
قوله تعالى :« وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ »..
وحين علم يوسف من تأويل الرؤيا أن أحد صاحبى سجنه سيخلى سبيله،