ج ٦، ص : ٩٧٥
فهذه وتلك من الجرائم التي تورد مرتكبيها موارد الهلاك والبوار :« إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ».
قوله تعالى :« وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ.. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ».
مناسبة هذه الآية لما قبلها، أنها تكشف عن افتراء المشركين على اللّه وتكذيبهم بآياته. الأمر الذي عدّه اللّه سبحانه وتعالى جريمة عظمى، توعد مجرمها بالخزي والخسران..
فقد عبد هؤلاء المشركون آلهة اتخذوها لهم من دون اللّه، وقالوا عنها :
« هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ » وقالوا.. « ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى »..
وهذا افتراء على اللّه.. وقد كذبهم اللّه وفضحهم بقوله :« قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ؟ » أي أتتحدثون إلى اللّه بما لا يعلم اللّه له هذا الشأن الذي تتحدثون به عنه، لا فى السموات، ولا فى الأرض ؟ إنه شىء لا وجود له.. وإذا كان لا وجود له فى علم اللّه، فهو غير موجود أصلا، ولا يوجد أبدا.. إنها أوهام وضلالات، لا توجد إلا فى عقولكم، وهى محض افتراء واختلاق.. تنزّه اللّه سبحانه وتعالى عن أن يكون له شريك، أو شفيع من خلقه، فضلا عن أن يكون هذا الشريك أو الشفيع من واردات الوهم والاختلاق!.
وفى قوله تعالى :« ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ » إزراء بهؤلاء المشركين، وتسخيف لأحلامهم، إذ أعطوا ولاءهم وعبوديتهم ما لا يملك لهم ضرّا ولا نفعا.. وليس أخسر صفقة ولا أضلّ سعيا، ولا أحمق عقلا، ممن يتعامل مع مالا يدفع عنه ضرّا، ولا يجلب له نفعا، فإن العاقل لا يأخذ وجهة إلى عمل،


الصفحة التالية
Icon