ج ٦، ص : ٩٧٩
فى تساؤل جهول عقيم :« لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ » ؟.. وهم يريدون بتلك الآية آية حسيّة كتلك الآيات التي جاء بها موسى وعيسى عليهما السلام..
كما ذكر القرآن ذلك عنهم فى قوله تعالى :« فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ » (٢٥ : الأنبياء).. ولو أنهم عقلوا لعرفوا أن اللّه سبحانه قد رفع قدرهم، وأعلى فى الناس منزلتهم، إذ جاءهم بمعجزة تخاطب عقولهم، وتتعامل مع مدركاتهم، ولم يأتهم بمعجزة تجبه حواسّهم، وتستولى على عقولهم، وتشلّ حركة تفكيرهم.. إن اللّه سبحانه قد ندبهم للتعامل مع هذه المعجزة العقلية، يدركون إعجازها ببصائرهم لا بأبصارهم، ويتناولون قطافها بمدركانهم لا بأيديهم، ولكنهم أبوا إلا أن يكونوا أطفالا لا رجالا.. وقد أنكر اللّه عليهم هذا الموقف، الذي وقفوه من القرآن الكريم، ورأوا أنّه غير مقنع لهم، كدليل سماوى.. فقال سبحانه وتعالى :« وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » (٥٠ ـ ٥١ : العنكبوت).
والقوم لم يكونوا على غير علم بما فى آيات القرآن الكريم، وما فيها من إعجاز متحدّ لقدرة الإنس والجن.. فهم أقدر النّاس على نقد الكلام، والتعرّف تعرفا دقيقا على الفرق بين حرّ جواهره وزيفها، وجيّدها ورديئها..
ولقد بهرهم القرآن الكريم، فأخذوا به، وسجدوا ـ على كفرهم ـ لجلاله، وسطوته، وقالوا فيه :« إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ».
. ولكنهم كانوا على عناد وكبر واستعلاء.. يأبون أن ينقادوا لبشر منهم، وأن يعطوا ولاءهم له..!
كما يقول اللّه تعالى على لسانهم. « أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ » (٢٤ ـ ٢٥ : القمر).


الصفحة التالية
Icon