ج ٦، ص : ٩٨٥
وثانيا : وصف البغي بأنه بغى بغير الحق، مع أن البغي لا يكون إلا عدوانا على الحق، وخروجا عليه.. فكيف يلحقه هذا الوصف، الذي يفهم منه أن هناك بغيا بحق، وبغيا بغير حق ؟
ذكرنا جوابا عن مثل هذا، عند تفسير قوله تعالى :« وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ » (١٨١ : آل عمران).
والجواب هنا، هو أن وصف بغيهم بأنه بغى بغير الحق، فيه تغليظ لهذا البغي، وإلقاء مزيد من القبح على وجهه القبيح..
فالبغى فى ذاته جريمة منكرة شنعاء..
ولكنّه من أهل البغي، شىء لا يكاد ينكر عليهم، ولا يستغرب منهم.
وإذن فهو محتاج إلى أن يكون أكثر من بغى حتى ينكر عليهم، ويذمّ منهم..
فهذا البغي منهم هنا.. هو بغى على وصف خاصّ.. بغى بغير حقّ حتى عند أهل البغي أنفسهم، وهذا يعنى أنه بغى شنيع غليظ، بين صور البغي كلها.
وفى قوله تعالى :« يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ » نداء للناس جميعا، وإعلان لهم كلهم ـ برّهم وفاجرهم ـ بأن البغي والعدوان، والخروج على حدود اللّه، هو بغى وعدوان واقع عليهم، وآخذ بنواصيهم..
كما يقول سبحانه وتعالى :« مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ » (٤٤ : الروم) وفى قوله تعالى :« مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ».
. قرئ « متاع » بالنصب والرفع.. وعلى النصب ـ وهى القراءة المشهورة ـ يكون مفعولا مطلقا لفعل محذوف، تقديره، تتمتعون متاع الحياة الدنيا، وتكون الجملة حالا من ضمير المخاطبين فى قوله تعالى :« إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ».
. وعلى قراءة الرفع يكون خبرا لقوله تعالى :« بَغْيُكُمْ » و« عَلى أَنْفُسِكُمْ » متعلق بالمبتدأ..