ج ٦، ص : ٩٩١
أرأيت إذن سر هذا النظم، الذي أسند الاختلاط بالماء إلى البذرة أو الحبة.. والذي لو جاء على عكس هذا، فأسند الاختلاط بالحبة إلى الماء، لكان خطأ علميا، يناقض ما كشف عنه علم الأحياء اليوم..
وهذا الذي حدثنك عنه لا يمثل إلا وجها واحدا من الصورة، هو وجه الماء والنبات..
أما الوجه الآخر، وهو الإنسان المقابل لهذا الوجه.. فهذا ما نقص عليك من أمره :
هذا الإنسان وإن كان نبتة من نبات الأرض، فإنه هو الماء الذي يبعث الحياة فى موجوداتها، ويكشف عن القوى الكامنة.. فهو ـ بهذا ـ قائم على ذلك الوصف الذي أنبأ عنه التشبيه فى قوله تعالى :« إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ».
. ويكون من هذا أن الحياة الدنيا هى هذا « الإنسان ».
. وأنه لولا هذا الإنسان لما كانت تلك الحياة الدنيا، وما تنبض به عروقها من حياة دافقة، فى كل وجه من وجوهها..!
فالإنسان هو الحياة الدنيا.. وهو الماء الذي يثير الحياة، بل ويخلق الحياة فى كل ما على هذه الدنيا.. كما يبعث الماء الحياة فى الأحياء، بل وكما تتخلق منه الحياة، كما يقول اللّه تعالى :« وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ » (٣٠ : الأنبياء).
وانظر مرة أخرى فى قوله تعالى :« إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ».