ج ٧، ص : ١٦٢
الإساغة لهذا الشراب.. وهذا مثل قوله تعالى :« فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً » (٧٨ : النساء).
قوله تعالى : ـ « وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ ».
. إشارة إلى أن ما يحيط بهذا الجبار العنيد يومئذ، من بلاء ونكال، هو مما تزهق به الأرواح، وأن كلّ سوط من سياط هذا العذاب الذي ينوشه من كلّ جانب، هو موت زاحف إليه، ولكنه لا يموت، بل يظل هكذا أبدا، يذوق عذاب الموت، وما هو بميت..
« كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ » (٥٦ : النساء) وفى إفراد الضمير فى قوله تعالى :« وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ » بعد قوله :
« وَاسْتَفْتَحُوا ».
ـ فى هذا إشارة إلى أن العذاب الذي يساق إلى الكافرين، إنما يساق إليهم فردا فردا، حتى لكأن كل ما فى جهنم من بلاء ونكال، هو للفرد الواحد من أهل جهنم :« مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ ».
. فهنا يجد هذا الجبار العنيد نفسه وقد أفرد وحده فى جهنم، يتجرع صديدها، ويحترق بنارها، ويشوى على جمرها، من غير أن يكون معه أحد، يشاركه هذا البلاء، ويقتسم معه هذا العذاب الغليظ.. وهذا ما لا تتحقق صورته لو جاء النظم القرآنى هكذا :« وخاب الجبارون المعاندون، من ورائهم جهنم ويسقون من ماء صديد، يتجرعونه ولا يكادون يسيغونه ويأتيهم الموت من كل مكان وما هم بميتين ومن ورائهم عذاب غليظ ».
. فشتان بين نظم ونظم، وبين قول وقول، وتصوير وتصوير!