ج ٧، ص : ١٨٣
ـ وفى قوله تعالى :« وَجَعَلُوا » إشارة إلى أن هذا الفعل الذي فعلوه باتخاذ آلهة لهم من دون اللّه، وجعلهم أندادا له ـ إنما هو من صنع القوم، ومن تلقيات أهوائهم، وأن ذلك كله ضلال، ما أنزل اللّه به من سلطان.
ـ وفى قوله تعالى :« لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ » إشارة أخرى إلى أنهم اتخذوا هذه الآلهة، ليفتنوا بها الناس، وليمسكوا بهم على طريق الضلال، وليكون لهم بها دعوة يجمعون الناس عليها، ويأخذون بمقودهم منها : طلبا للسيادة والسلطان.. ولهذا جاء قوله تعالى :« قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ » متوعدا لهم بهذا المصير السيّء، الذي هو فى حقيقته، الثمرة المرّة لهذا الجاه والسلطان الذي تمتعوا به فى دنياهم، وعاشوا معه فى مواقع الضلال والكفر..
قوله تعالى :« قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ ».
الخلال : المخلّة، والموادّة، والمواساة، التي تكون بين الصاحب وصاحبه، والخليل وخليله..
وسمّى الصاحب خليلا، لأن كلّا من الصاحبين يتخلل صاحبه، ويدخل إلى مشاعره، ويطّلع على ما لا يطلع عليه غيره..
ومناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآية السابقة كانت وعيدا للمشركين الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا، فأبوا أن يقبلوا دين اللّه دينا، واتخذوا من دونه آلهة ليضلّوا الناس عن سبيل اللّه ـ فجاءت هذه الآية لتلفت المؤمنين الذين استجابوا لرسول اللّه، وآمنوا باللّه، أن يؤدوا لهذا الإيمان حقّه، إذ ليس الإيمان مجرد كلمات تقال، وإنما هو دستور عمل، وشريعة واجبات وتكاليف. وعلى رأس هذه الأعمال، وتلك الواجبات : الصلاة، والزكاة..