ج ٧، ص : ١٩٨
«لقد تحجّرت واسعا » ؟ أي ضيقت ما كان شأنه السعة، وأدخلت نفسك فى جحر، وكان بين يديك هذا الوجود الرحيب! وهنا سؤال : كيف يدعو إبراهيم لوالده بالمغفرة، وهو على ما كان عليه من كفر عنيد، وضلال مبين ؟ كيف، واللّه سبحانه وتعالى يقول :« ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ » (١١٣ : التوبة) وقد نزلت هذه الآية فى مشركى قريش، الذين ماتوا على شركهم.. وقد كان النبىّ والمؤمنون يستغفرون لبعض هؤلاء المشركين، فلما لفتهم اللّه سبحانه إلى هذا، وكشف لهم عن مصير هؤلاء المشركين ـ أمسكوا عن الاستغفار لهم..
وكذلك كان شأن إبراهيم عليه السلام، فإنه كان يستغفر لأبيه. على ما كان منه، من جفاء وغلظة، وعلى ما لقيه منه من عناد وإصرار على الكفر..
وذلك طمعا فى أن يهديه اللّه، وأن يشرح صدره للإيمان، فلما كشف اللّه له عن مصير هذا الأب، تبرأ منه.. وفى هذا يقول اللّه تعالى :« وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ » (١١٤ : التوبة).
وسؤال آخر : لما ذا وقّت إبراهيم غفران اللّه له ولوالديه وللمؤمنين، بيوم القيامة.. « يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ » ؟
والجواب على هذا، هو أن يوم الحساب، هو يوم الإنسان، لا يوم له قبله، وأنه إذا ربح هذا اليوم، وظفر فيه بالنجاة من عذاب الآخرة ـ وهذا لا يكون إلا بمغفرة اللّه له، وتجاوزه عن سيئاته ـ فذلك هو الفوز العظيم حقّا..
أما إذا خسر هذا اليوم، ولم يكن فيمن شملهم اللّه بعفوه ومغفرته، فذلك هو الخسران المبين..