ج ٧، ص : ٢١٨
ـ وفى قوله :« وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ » تهديد لهؤلاء المشركين، وأنهم إذا استجاب اللّه لهم، ونزلت الملائكة عليهم كما يقترحون، فإنهم لا ينزلون عليهم إلا بالهلاك والبلاء، بعد أن نزلوا عليهم على يد رسوله بالرحمة والهدى..
وفى هذا يقول اللّه سبحانه :« وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ » (٨ : الأنعام)
وقوله تعالى :« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ »
هو ردّ على هؤلاء المشركين الذين سخروا من النبىّ بقولهم :« يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ » فجاء قوله تعالى :« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ » كبتا لهؤلاء المشركين، وردعا لهم، وإعلانا بما يملأ صدورهم حسدا وحسرة.. فقد أبوا إلا أن يجهلوا الجهة التي يقول النبىّ إنه تلقّى الذّكر منها، فقالوا « نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ » ولم يقولوا ـ ولو على سبيل الاستهزاء ـ نزّل اللّه عليه الذكر.. فجاءهم قول الحق جلّ وعلا :« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ » بهذا التوكيد القاطع.. ثم جاء قوله تعالى « وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ » مؤكدا لهذا التوكيد.. إذ أنه سبحانه هو الذي يتولى حفظه من كل عبث، وصيانته من كل سوء.. وهذا هو الدليل القاطع على أنه منزّل من عند اللّه.. فليحاولوا أن يبدّلوا من صورته، أو يدسّوا عليه ما ليس منه.. فإنهم لو فعلوا، لكان لهم من ذلك حجة على أن ليس من عند اللّه! وقد حفظ اللّه القرآن الكريم، هذا الحفظ الربانىّ، الذي أبعد كلّ ريبة أو شكّ فى هذا الكتاب، فلم تمسسه يد بسوء، على كثرة الأيدى التي حاولت التحريف والتعديل، فردّها اللّه، وأبطل كيدها وتدبيرها.. وهكذا ظلّ القرآن الكريم، وسيظل إلى يوم البعث، حمى اللّه الذي تحرسه عنايته، وتحفظه قدرته، فلم تنخرم منه كلمة، أو يتبدل منه حرف.. وتلك حقيقة يعلمها أولو العلم