ج ٧، ص : ٣٠٠
وهذا الوعد الذي وعده اللّه المؤمنين، وأنجزه لهم لم يكن لأشخاصهم فردا فردا، وإنما هو لهم كجسد واحد، ومجتمع واحد.. هكذا المؤمنون، فيما أصابهم، من بلاء، أو عافية، فهم جميعا فيه شركاء، شأن الجسد حين تنزل به علة، أو تلبسه عافية..!
قوله تعالى :« الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » هو عطف بيان على قوله تعالى :« وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ ».
. فهؤلاء هم الذين صبروا على أذى المشركين، واحتملوا فى سبيل اللّه ما احتملوا من مفارقة الأهل والوطن..
مخلفين كل شىء وراءهم، فما كان لهم فى هجرتهم من مال ومتاع.. بل هاجروا متوكلين على اللّه، معتصمين به، مستغنين بما عنده.
قوله تعالى :« وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » ـ هو ردّ مفحم للمشركين الذين أبوا أن يستجيبوا للرسول، لأنه بشر مثلهم، وقالوا :« أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ » (٢٤ : القمر).. وقالوا ما حكاه القرآن عنهم :« لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا ؟ » (٢١ : الفرقان).
ـ فجاء قوله تعالى :« وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ » : ليرى المشركين أمرا واقعا، لا سبيل إلى إنكاره، أو الجدل فيه، وهو أن كلّ رسل اللّه الذين بعثوا فى الأمم التي سبقتهم كانوا « رجالا » أوحى اللّه إليهم بما شاء أن يوحيه إليهم من آياته وكلماته.. فإذا لم يكن عند هؤلاء المشركين علم بهذا، « فليسألوا أهل الذكر، أي أصحاب العلم، وهم أهل الكتاب، من اليهود والنصارى :« فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ».
. فإن من واجب من لا يعلم أمرا أن يسأل عنه أهل العلم، قبل أن يتعامل به، ويجادل فيه.
ـ وفى قوله تعالى :« إِلَّا رِجالًا » إشارة إلى أن رسل اللّه جميعا كانوا من