ج ٧، ص : ٣٢٨
وفى الآية الكريمة صورة كاشفة لهذا الإنسان الذي مكّن اللّه سبحانه وتعالى له من القوى الجسدية والعقلية، فاتخذ منها أسلحة يحارب بها اللّه، ويتسلّط بها على خلق اللّه، فلو أنه عقل ونظر إلى نفسه فى مرآة الزمن، حين يمتد به العمر، لرأى كيف يكون حاله من الضعف والوهن.. وإذن لأقام حسابه مع هذه القوة التي بين يديه على العدل والإحسان، ولأبقى لنفسه رصيدا من الخير والمعروف.. يحتفظ به فى يد الحياة، لتقدّمه له فى تلك المرحلة الحرجة فى حياته..
قوله تعالى :« وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ.. فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ».
. ؟
هذا التفاوت بين الناس، فيما فضّل اللّه به بعضهم على بعض، فى الرزق، يشير إشارة صريحة إلى أنه ينبغى أن يكون هناك تفاوت بين الخالق والمخلوق..
ذلك أنه إذا كان الناس وهم من صنعة الخالق، لم يطبعهم اللّه سبحانه وتعالى على صورة واحدة، ولم يقمهم فى الحياة على درجة واحدة، بل خالف بينهم فى الصورة، واللون، ففيهم الوسيم والدميم، والطويل والقصير، والأبيض والأسود ـ كذلك قسم اللّه معيشتهم فى الدنيا، فجعل فيهم الغنىّ والفقير، والمالك والمملوك ـ فكيف يسوغ بعد هذا أن يسوّى بين الخالق وما خلق ؟
فهؤلاء الذين وسع اللّه لهم فى الرزق، وملأ أيديهم من الجاه والمال والسلطان ـ أيكون منهم من يردّ ما بين يديه من مال ومتاع على من تحت يده من عبيد وإماء، حتى يسوّى بينه وبينهم فى المأكل والمشرب، والملبس، وفى كل مظاهر الحياة ؟ ذلك ما لا يكون، وإن كان شىء منه، فهو واقع ـ فى صورة لا تزيل الفارق بينه وبين من تحت يده، وإن ارتفع بهم شيئا قليلا!


الصفحة التالية
Icon