ج ٧، ص : ٣٣٢
مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ.. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ».
هذا مثل من الأمثال التي يضربها اللّه.. وفيه الحجة البالغة، والبيان المبين، لما بين الحق والباطل، من بعد بعيد! فهذا عبد مملوك.. هو فى يد مالكه، لا يملك من أمر نفسه شيئا..
وهذا إنسان رزقه اللّه رزقا حسنا، ليس لأحد عليه سلطان، فهو ينفق من هذا الرزق الحسن كيف يشاء، سرا وجهرا.. يعطى من يشاء مما فى يده، ويحرم من يشاء! فهل يستوى هذا، وذاك ؟ هل يستوى العبد والسيد ؟ هل يستوى المملوك والمالك ؟ ثم هل يستوى المخلوق والخالق ؟ هل يستوى من لا يملك ومن يملك ؟
هل يستوى من لا يرزق ومن يرزق ؟
العقلاء يحكمون بداهة أن لا مساواة بين هذين النقيضين.. ثم يخرجون من هذا إلى الاتجاه إلى اللّه بالحمد على أن كشف لهم الطريق إليه، وعرّفهم به..
أما أهل الزيغ والضلال، فإنهم لا يجدون فى هذا المثل شعاعة من أضوائه، بل يظلون على ما هم عليه من عمى وضلال..
ـ وفى قوله تعالى :« الْحَمْدُ لِلَّهِ » إشارة إلى أن هذا هو منطق الذين يستمعون إلى هذا المثل ويعقلون، فيؤمنون باللّه ويحمدونه..
قوله تعالى :« وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ، أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ».
. وهذا مثل آخر، لما بين الحق والباطل من تفاوت كبير، وبعد بعيد..
هذان رجلان : أما أحدهما فأبكم، مغلق الحواس، والمشاعر، والمدارك.
لا يفهم شيئا، ولا يحسن شيئا.. إنه حيوان، يمسك به من مقوده إلى حيث


الصفحة التالية
Icon