ج ٧، ص : ٣٥٢
أمضى المتعاهدان ما تعاهدا عليه.. فأعطى أحدهما ما تعهّد به وعدا، وأقام اسم اللّه تعالى كفيلا على هذا الوعد، وقبل الآخر ما أعطى الأول، مطمئنا إلى كفالة اللّه، وإلى أن صاحبه لن يخون عهد اللّه! وإنه لجرم عظيم أن يعطى الإنسان عهدا باسم اللّه، ويتخذ من هذا الاسم الكريم مدخلا إلى ثقة الناس به، واطمئنانهم إليه، ثم يكون منه غدر وخيانة! إنه عدوان على اللّه، ومخادعة باسمه، وسرقة تحت ستار من جلال اللّه وخشيته..!
وتلك جرأة على اللّه، واستخفاف بقدره، وليس لمن يتعرض لهذا، إلا أن ينتظر ما يحلّ به من غضب اللّه ونقمته.
ـ وفى قوله تعالى :« إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » تحذير من نكث العهد، ومن التلاعب باسم الحق جل وعلا.. فهو ـ سبحانه ـ يعلم من بفي بعهده، ويعرف لاسمه الكريم جلاله، ومن لا يوقّر اللّه، ولا يحفل بالعهد الذي قطعه، وأشهد اللّه عليه.. واللّه ـ سبحانه ـ غيور على حماء أن يستباح.. فمن استباحه، فقد أورد نفسه موارد الهالكين..
قوله تعالى :« وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ».
الغزل : ما يغزل من صوف، وغيره.. ونقض الغزل : حلّه بعد فتله وغزله، فيتقطع، ويتفتت، ولا يعود إلى مثل حالته الأولى لو أعيد غزله، كشأن من بينى ثم يهدم ما بنى.. فلو أراد أن يبنى بما هدم، لا يستقيم له بناء..
والأنكاث : جمع نكث، وهو ما يكون من خيوط النسيج بعد نقضها، لإعادة غزلها ونسجها، بعد أن تصبح قطعا مهلهلة.
الدّخل : الفساد. والأمة : الجماعة. وأربى : أكبر قوة، وأكثر عددا.