ج ٨، ص : ٤٣٥
وإنّا لنجد مصداق هذا، فى هذا المجتمع الإسلامى الأول الذي أقامه الرسول الكريم، واستنبته من جدب الصحراء وقفرها، وأطلعه من غياهب ظلامها، وضلالها.. وذلك بما حمل إلى الناس من كلمات اللّه، وبما أراهم من آثار كلمات اللّه فيه، وتربيته له سبحانه وتعالى على منهجها، فكان إنسانا يقرأ الناس فى سيرته ـ قولا وعملا ـ منطوق كلمات اللّه ومفهومها، كما تحدّث السيدة عائشة رضى اللّه عنها، فتصف خلقه عليه الصلاة والسلام بقولها :« كان خلقه القرآن ».
فما أعظمه من إنسان! وما أكرمه من رسول! وما أعلى مقامه فى العالمين! وأحبّ هنا أن أقف وقفة قصيرة مع تلك المقولة التي تقال وتذاع بين المسلمين، فيما يعرف عند أصحابها « بالحقيقة المحمدية ».
فالذين يستمعون من المسلمين إلى هذا العنوان :« الحقيقة المحمدية » وما يجىء وراء هذا العنوان من حديث عن هذه الحقيقة، قد يجدون فى صدورهم حرجا من أن يدفعوا عن هذه الحقيقة تلك الدعاوى التي يدّعيها عليها القائلون بها، والتي يصوّرون فيها النبىّ الكريم هذا التصوير العجيب، الذي يقطعه عن العالم البشرى، بما يضيفون إليه من صفات وأعمال، لا تقتضيها طبيعة البشر، ولا تثقل بها موازينه فى المصطفين من عباد اللّه.!
إنها مقولات كثيرة مغرقة فى الخيال، تضفى على ذات النبىّ أثوابا فضفاضة ـ بل مهلهلة ـ من نسيج الوهم، ومن واردات الخرافة، يحسب بها أصحابها ـ عن إيمان، أو عن كيد ـ أنّهم إنما يمجّدون النبىّ، ويفردونه وحده بتلك المنزلة التي تتقطع دونها الأوهام والظنون! ومن هنا، كان خطر هذه المقولات وأثرها داهما مزلزلا، فى المجتمع الإسلامى،