ج ٨، ص : ٤٤٧
وليس يعترض على هذا أيضا بقول من يقول : كيف يسلّط للّه الكافرين على المؤمنين، فقد كان بختنصر وقومه وثنيين، على حين كان بنو إسرائيل أهل كتاب.. مؤمنين باللّه ؟
والجواب : أن بنى إسرائيل، وإن كانوا أهل كتاب، فإنهم قد مكروا بآيات اللّه، وبغوا فى الأرض، وملأوا الدنيا من حولهم ظلما وبغيا.. فهم ـ وإن كانوا مؤمنين ظاهرا ـ لم يكونوا أحسن حالا من الوثنيين فى أفعالهم السيئة المنكرة.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » (١٢٩ : الأنعام) وكذلك يبتلى اللّه الظالمين بالظالمين، أو بمن هم أشد ظلما منهم، فهى نقم تضرب فى وجه نقم، وظلم يسوء وجوه الظالمين! ثم جاء بعد هذا قوله تعالى :« ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ».
. وفى هذا إشارة إلى أن اللّه سبحانه وتعالى بعد أن أخذهم بعقابه، وألقى بهم فى هذا الضّياع زمنا، كما فعل بهم حين ضرب عليهم التيه أربعين سنة ـ عاد اللّه سبحانه بفضله عليهم، وأخرجهم من هذا البلاء، بعد أن جعل من الآباء عبرة للأبناء..
ومعنى ردّ الكرة عليهم أنهم أخذوا مكان القوة، على حين نزل القوم الذين ابتلاهم اللّه بهم إلى حال أشبه بتلك الحال التي كان عليها اليهود من الذلة والهوان، وذلك حين أغار الفرس، على البابليين، واستولوا على أوطانهم، وجعلوهم غنيمة لهم، كما فعل البابليون ببني إسرائيل.. « وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ » (١٤٠ : آل عمران).
وفى قوله تعالى :« وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً » إشارة إلى القوة التي لبسوها