ج ٨، ص : ٤٧١
فى الآية السابقة على هذه الآية جاء قوله تعالى :« لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ » ـ جاء ناهيا ومحذّرا ومتوعدا من يشرك مع اللّه إلها آخر..
وفى هذه الآية جاءت دعوة اللّه الناس جميعا إلى الإيمان باللّه. فهذا ما قضى اللّه سبحانه وتعالى به فى عباده، حين أخذ عليهم العهد، وهم فى ظهور آبائهم..
كما يقول سبحانه :« وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى.. شَهِدْنا » (١٧٢ : الأعراف).. فالناس جميعا ـ بحكم هذا العهد ـ مؤمنون باللّه، بفطرتهم، يولد المولود منهم، وهو على هذه الفطرة، كما يقول الرسول الكريم :« ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصّرانه، ويمجّسانه ».
ومن هنا يبدو إيمان الناس باللّه وكأنه قضاء قضى اللّه به عليهم، وألزمهم إياه.. فهم مؤمنون باللّه، بحكم فطرتهم المودعة فيهم، ومطلوب منهم أن يستقيموا على هذه الفطرة، وألّا يخرجوا عنها.. فالإيمان باللّه غريزة مركوزة فى كيان الإنسان، أشبه بتلك الغرائز التي تتحكم فى سلوك الحيوان.. ولكن الإنسان حين يعقل ويدرك، يصبح كائنا ذا إرادة.. وهو بهذه الإرادة قد يلتقى مع الفطرة، وقد يصطدم بها.. ومن هنا يكون الإيمان والكفر، والهدى والضلال..
ـ وقوله تعالى :« وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً » معطوف على ما قبله، ويصحّ عطف النهى على الأمر، والأمر على النهى، لأنهما طلبيّان.. وفى النهى معنى الأمر..
فقوله تعالى :« وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ » يحمل معنى الأمر، وهو اعبدوا اللّه.. فحسن عطف الأمر عليه :« وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً »..
وقدّم معمول المصدر، على المصدر، للاهتمام به، لأنه مطلوب الإحسان