ج ٨، ص : ٥٠٢
لم اختار اللّه أناسا من خلقه، فأضافهم إليه. وجعلهم عبادا له ؟ ولما ذا لم يضف الناس جميعا إليه، وكلّهم عبيده، وصنعة يده ؟
وقد جاء الجواب :« رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ » إنّه كما خلقكم بيده، أقامكم بعدله وحكمته.. كلّ فى مكانه الذي أراده له.. « أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (١٤ : الملك).
إنه ليس لمخلوق شىء مع الخالق.. « إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ » أيها المخلوقون، فيجعلكم من عباده، وأهل طاعته « أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ » فيضلكم، ويختم على قلوبكم.. وليس للمرحومين من الناس، ولا للمعذبين منهم مذهب إلى غير هذا المقام الذي أقامهم اللّه فيه، وأرادهم له :« لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » (٢٣ : الأنبياء).
ـ وفى قوله تعالى :« وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا » إشارة إلى أنه ليس إلى النبىّ أن يغيّر من قدر اللّه فى الناس شيئا.. فمن قدّر عليه الشقاء فهو من أهل الشقاء، لا يتحول عنه أبدا، ومن كتبت له السعادة فهو من السعداء لن يدفعها عنه أحد.. وليس الرسول وكيلا على الناس، يدبّر أمرهم، ويتسلط على مصيرهم، وإنما هو بشير ونذير، يؤذّن فى الناس بكلمات اللّه وآياته.. كما يقول سبحانه :« إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ » (٧ : الرعد).
قوله تعالى :« وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ».
فى الآية الكريمة ردّ على شبهة قد تقع لبعض الناس من قوله تعالى :« رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ».
. إذ قد يسأل بعض الناس : لما ذا كان هذا الحكم واقعا فى أبناء آدم، حيث يرحم بعضهم ويعذّب بعضهم ؟
فكان الجواب : إن ذلك هو حكم للّه فى المخلوقات جميعا، فى السموات وفى