ج ٨، ص : ٥٠٦
ـ وقوله تعالى :« وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ » هو بيان للدوافع التي تدفع المؤمنين إلى دعاء اللّه سبحانه، وإلى ابتغاء الوسيلة إليه، وهو الطمع فى رحمته، والخوف من عذابه.. وتلك هى الحال التي ينبغى أن تقوم عليها الصلة بين العبد وربّه وهى منزلة بين الرجاء والخوف.. فالرجاء يدفع المؤمن إلى الإحسان، والتزام الطاعات.. والخوف، بحرسه من العدوان على محارم اللّه، ومواقعة الآثام والمعاصي.
ـ وفى قوله تعالى :« إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً » تعقيب على قوله سبحانه :
« وَيَخافُونَ عَذابَهُ ».
. وهو أن هذا العذاب شديد، حيث يقع بأهله، لا يدفعه عنهم من اللّه دافع، وهو لهوله وشدته، يحذره ويتوقى الدنوّ منه، كلّ من يطلب الأمن والعافية لنفسه.
ولم يأت فى النظم القرآنى تعقيب على قوله تعالى :« وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ » كما جاء التعقيب على قوله سبحانه :« وَيَخافُونَ عَذابَهُ ».
. لأن أكثر ما يؤتى النّاس من استخفافهم بعذاب اللّه، أو غفلتهم عنه.. أمّا الرجاء فى مغفرته ورحمته.. فالناس جميعا واقفون على باب الرجاء، حتى أن أكثرهم عصيانا للّه، ومحدّة له يتخذون من الطمع فى رحمة اللّه، مدخلا يدخلون به على المعاصي فى جرأة فاجرة، حتى ليقول صاحب الجنتين الذي كفر بربّه :« وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً » (٣٦ : الكهف).. وهذا مكر مع اللّه، وتغرير بالنفس.. إن من يرجو ويطمع فى رحمته، يجب أن يكون ممن يخشاه، ويتوقّى محارمه.. فإذا زلّ، كان طمعه فى اللّه قائما على منطق.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ».
. (٥٦ : الأعراف) هذا، وفى الآية الكريمة وجه آخر..
وهو أن المشار إليه فى قوله تعالى :« أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ » هم المعبودون


الصفحة التالية
Icon