ج ٨، ص : ٥٠٨
مهلكوها قبل يوم القيامة.. فهذا حكم اللّه فى عباده.. « إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ » (٢٩ : يس).
وإهلاك ما يهلك اللّه من القرى، هو تركها للزّمن، يفعل فيها ما يفعل فى الأحياء، فإذا عمارها خراب، وإذا أهلها تراب فى التراب.. كما يقول سبحانه :
« كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ » (٨٨ : القصص).
أما عذاب ما يعذّب من القرى، فهو ما يحلّ بتلك القرى من نقم اللّه، فيأخذها بما أخذ به القرى الظالمة، كقرى عاد، وثمود، وقوم لوط، حيث أهلكها اللّه سبحانه مرة واحدة، بما سلط عليها من عذاب ـ وقوله تعالى :« كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً » تقرير لحكم اللّه فى خلقه.. وهو أن ذلك مما قضى اللّه به فى أم الكتاب، وجرى به القلم وسطّره فى اللوح المحفوظ.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ » (٢٢ : الحديد).
وفى هذا، إنذار لمشركى قريش، ولقريتهم التي تقف من النبىّ هذا الموقف العدائى، الظالم.. فتؤذى رسول اللّه، وتصدّ الناس عن سبيل اللّه..
إن هذه القرية لن تفلت من هذا المصير الذي تصير إليه القرى جميعا..
فإذا لم يأخذها اللّه سبحانه وتعالى ببأسه، ويعجّل لها العذاب، أخذها بسنته فى خلقه، فابتلعها باطن الأرض فيما ابتلع قبلها من قرى وأمم! قوله تعالى :« وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً ».