ج ٨، ص : ٥٣٨
فى عمومه، وهو أنه إذا ألبسه اللّه نعمة من نعمه، بعد عن اللّه، وشغل بهذه النعمة، وأنه لا يذكر اللّه إلا إذا مسّه الضرّ.. فإذا ذكر اللّه فى تلك الحال، ذكره وقد بعدت به الطريق عن اللّه إذ قطع كل صلة بربّه، وهذا من شأنه أن يضعف ثقته باللّه، ويؤيسه من رحمته.. وهكذا الذين لا يؤمنون باللّه.. إنهم لا يرجون ثوابه، ولا يطمعون فى رحمته، لأنهم لا يعرفونه، بل ولا يعترفون به إلّا عند الشدّة والبلاء، حيث تطيش أحلامهم، ويضيع صوابهم.. وليس كذلك المؤمنون باللّه، إنهم على طمع دائم فى رحمته، وعلى رجاء وثيق فى كشف ما يحلّ بهم من سوء، وما ينزل بهم من ضر.. « إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ » (٨٧ : يوسف).
هذا وفى الآية الكريمة باب فسيح من أبواب رحمة اللّه، يدخل منه الناس جميعا إلى حيث يجدون الرحمة والإحسان.. « قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ».
. فسبحانك سبحانك من ربّ كريم رحيم..
وشاهت وجوه من اتجهوا إلى غيرك، ومدّوا أيديهم إلى سواك.
قوله تعالى :« قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا »..
الشاكلة : الطبيعة التي يكون عليها الإنسان، وهى التي تحدد طريقه ومذهبه فى الحياة.
وفى هذه الآية إشارة إلى أن الناس ليسوا كلّهم على شاكلة هذا الإنسان الذي تحدثت عنه الآية السابقة فى قوله تعالى :« وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً ».
. ففى الناس من يقدر اللّه حقّ قدره، إذا أنعم اللّه عليه، شكر، وإذا مسّه الضّرّ، صبر، وانتظر فى أمل ورجاء رحمة اللّه، وفضله..


الصفحة التالية
Icon