ج ٨، ص : ٥٦٦
(٩ : الحجر) فالقرآن محفوظ بقدرة اللّه من أن تمتد إليه يد التحريف والتبديل.. فهو نعمة تامّة، أنعم اللّه بها سبحانه وتعالى على هذه الأمة، لتكون منار هدى ورحمة للناس إلى يوم الدّين. أما الكتب السماوية السابقة، فهى نعم من عند اللّه، ابتلى بها من أنعم اللّه عليهم بها، وشأنها فى هذا شأن كل نعم اللّه، يخلى اللّه سبحانه وتعالى بينها وبين أهلها، إن شاءوا حفظوها، وإن شاءوا ضيعوها..
ولهذا، فقد جعل اللّه سبحانه وتعالى هذه الكتب، أمانة فى يد القائمين عليها من أحبار ورهبان.. وهذا ما يشير اليه قوله تعالى :« إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ » (٤٤ : المائدة) فهم الموكّلون بحفظ كتبهم التي هى أمانة فى أيديهم.. فإن شاءوا حفظوها، وإن شاءوا ضيعوها، شأنهم فى هذا شأنهم فى كل أمانة يؤتمن الناس عليها.. وقد ضيع أهل الكتاب هذه الأمانة، فلم يرعوها حقّ رعايتها، بل مكروا بآيات اللّه، فغيّروا وبدّلوا، وألقوا بأهوائهم فيها.. على هذه الصورة الشائهة التي فى أيديهم..
ـ وفى قوله تعالى :« وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً » إشارة إلى أن مهمّة النبىّ هى إبلاغ هذا الكتاب، والتبشير بما يحمل إلى الذين يؤمنون به من رضوان اللّه، وثوابه العظيم لهم، فى الدنيا والآخرة، والإنذار بما يحمل إلى المكذبين، من وعيد بالبلاء والنقمة وسوء المنقلب.! تلك هى وظيفة النبي مع هذا الكتاب الذي أنزله اللّه عليه.. أما حفظه، فقد تولّاه اللّه سبحانه وتعالى.
فليفرغ النبىّ جهده كلّه، إلى إبلاغه للناس!