ج ٨، ص : ٦٣٩
وأفسح لهم المجال لإصلاح ما أفسدوا من أمرهم، والرجوع إلى ربهم من قريب..
وهذا ـ ولا شك ـ من خصوصيات هذه الأمة، التي اختصها اللّه بها، تكريما لرسوله الكريم، حيث يقول سبحانه :« وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » (٣٣ : الأنفال)..
وأكثر أنبياء اللّه ورسله، قد شهدوا بأعينهم مصارع أقوامهم.. ولكن هذه الأمة قد عافاها اللّه من هذا الابتلاء، وأكرم نبيّها فلم يفجعه فى أهله وقومه..
وكان من تمام هذه النعمة على النبي الكريم وعلى أمته، أنه صلى اللّه عليه وسلم لم يدع هذه الدنيا، ويلحق بالرفيق الأعلى، حتى رأى بعينيه قومه جميعا يدخلون فى دين اللّه أفواجا، ورأى العرب جميعا أمّة مؤمنة باللّه، وحتى تلقى من ربّه ـ سبحانه وتعالى ـ هذا الثناء العظيم على أمته بقوله تعالى :« كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.. تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.. وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (١١٠ : آل عمران) وفى قوله تعالى :« بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا » ـ إشارة إلى أن مغفرة اللّه ورحمته، لا يدفعان بأسه عن القوم المجرمين.. فهناك حساب، وهناك جزاء، توفى فيه كل نفس ما كسبت.. وليس لأحد سبيل إلى الفرار من هذا الحساب، وذاك الجزاء!.
قوله تعالى :« وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً ».
الإشارة هنا، إلى تلك القرى التي أهلكها اللّه من قبل، كقرى عاد، وثمود، ولوط.. فهذه القرى وغيرها ممن كفروا بآيات اللّه وعصوا رسله، قد أهلكهم اللّه، وعجّل لهم العذاب فى الدنيا، ولم يمهلهم كما أمهل أهل هذه القرية « مكة » والقرى التي حولها، رحمة منه سبحانه وإكراما لنبيه