ج ٨، ص : ٦٧٣
الإنسان خارجا عن دائرة المؤثرات التي تجعل للقضاء والقدر شأنا معه..
وإذا قلنا إن الإنسان مجبر، كان معنى هذا أن شيئا ما وراء الإنسان، يملى عليه، ويؤثّر فى إرادته، أو يعطل مشيئته..
وهنا تبدو الصلة واضحة بين الإنسان وبين القضاء والقدر.. وهى صلة تظهر آثارها فى تصرفاته، وفى موقفه حيال كل أمر يعرض له..
ولكن هاتين المقولتين، لم يسلّم العقل الإنسانى بأيّ منهما، تسليما مطلقا..
إذ كان الواقع العملىّ ينقض كل مقولة منهما، إذا أخذ بها على إطلاقها..
فالإنسان ـ كما يبدو له ـ حرّ من جهة، ومقيد من جهة أخرى..
إنه مطلق، تماما ـ كما يبدو ـ ولكن يرى أن قوة خفية تأخذ عليه طريقه إلى ما يريد.. قوة غير منظورة، تقيّد إرادته المطلقة تلك..
فهو مختار يفعل ما يشاء، وهو مجبر حيث يفعل أو يفعل به ما لا يشاء! وبين الاختيار والجبر، عاشت الإنسانية حائرة مضطربة، قلقة.. تقول بالاختيار، وتحلم به، وتتمنّاه.. ولكن الواقع يفجؤها بما يلغى هذا الاختيار، ويعطل وجوده.. وإذا هى أي الإنسانية، ريشة فى مهب الريح، يسوقها القدر إلى حيث يشاء..
وتقول بالجبر، فلا يصدّقها الواقع الذي تعيش فيه. والذي ترى صفحته فى آثار تفكيرها، وثمار إرادتها، وعزيمتها..
فلا هى.. أي الإنسانية، فى الاختيار المطلق، ولا هى فى الجبر المطلق..
إنها تعيش متأرجحة بينهما.. هى فى اختيار وجبر معا.. ذلك ما يشعر به كل إنسان فى ذاته، وتشعر به الإنسانية فى مجموعها.. وذلك من الجلاء والوضوح، بحيث لا ينكره إلا أهل الجدل والمراء!!