ج ٨، ص : ٦٨٩
وهذا ـ على الأقل ـ هو الذي يعفيه من المسئولية أمام عقله وضميره! وفى نظرة الإسلام إلى القدر، تلك النظرة التي يبدو منها القدر غائبا كحاضر ـ فى هذه النظرة يقوم القدر على الناس، سلطانا رحيما، يفيئون إلى ظلّه الظليل، إذا هم أضناهم السير ولفحهم الهجير وأقعدهم الإعياء! فالقدر فى التفكير الإسلامى، لا يلتقى به المسلم إلا عند آخر المطاف من سعيه الذي سعى، وعمله الذي عمل، لا أن يقدّمه بين يدى كل عمل، فإن هذا من شأنه أن يقعد بالإنسان عن أن يعمل أو أن يسعى، تاركا زمامه للقدر، يتصرّف كيف يشاء..
وفى هذا اللقاء الذي يلتقى فيه الإنسان مع القدر ـ بعد كل عمل لا قبله ـ فى هذا اللقاء يلقى الإنسان بوجوده كلّه، وبما أصاب، أو أصيب به ـ يلقى بهذا كله فى ساحة القدر! فإن يكن قد أصاب خيرا لم يقل قولة قارون من قبل :« إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي » (٧٨ : القصص) بل يقول قولة المؤمنين الشاكرين :« هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ » (٤٠ : النمل).
وإن أصابته مصيبة، أو مسه ضر، لم يقل :« أَنَّى هذا ؟ » (١٦٥ : آل عمران).
بل يقول :« إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » (١٥٦ : البقرة) أو يقول :
« فَصَبْرٌ جَمِيلٌ » (١٨ : يوسف).
أما غير المؤمن، فإنه لا يلتقى بهذا الوجه الكريم فى السراء أبدا، ولا يتلقّى هذا العزاء الجميل فى الضراء أبدا..