ج ٨، ص : ٧١٠
ومن تمام هذا التدبير الحكيم فى إقامة « الردم » أن يختبر، وأن يرى منه القوم ثمرة هذا الجهد العظيم الشاق الذي بذلوه فيه..
وقد رأى القوم رأى العين الأثر العظيم الذي كان لهذا « الردم ».
. فقد مضت الأيام، والشهور، دون أن يطرقهم طارق من هذا الشرّ الذي كان يبغتهم مصبحين وممسين، وكذلك رغم المحاولات التي بذلها يأجوج ومأجوج، لتسلقه، أو إحداث نقب أو ثقب فيه، ينفذون منه، كما يقول تعالى :«فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً » هذا هو الذي نطق به لسان الحال، وتحدث به القوم..
وحين رأى ذو القرنين هذا قال :
« هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ».
أي أن هذا الرّدم، هو رحمة من رحمة اللّه ساقها اللّه سبحانه وتعالى، إلى هؤلاء القوم على يديه..
ووعد اللّه هنا، قد يكون مرادا به يوم القيامة، وقد يكون مرادا به الأجل المقدور فى علم اللّه لبقاء هذا الرّدم.. والرأى الأول هو الأولى، إذ كانت الآية التالية لهذه تومىء إليه، وهوقوله تعالى :« وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً »..
وهذا يعنى أن هذا الرّدم قد صار أشبه بجبل من تلك الجبال المتصلة به من طرفيه، وأنه باق ما بقيت فإذا جاءت أشراط الساعة، دك هذا الردم ودكت الجبال كلها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى سورة أخرى :
« وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً » (١٤ : الحاقة).