ج ٨، ص : ٧٧٣
قوله تعالى :« أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ».
هو بيان، وتفسير للضمير فى قوله تعالى :« منه » أي تكاد السموات يتفطرن، والأرض تنشق، والجبال تنهدّ، من أن ينسب هؤلاء الضالّون ولدا إلى اللّه.. إذ ما يصحّ، ولا يجوز أن يتخذ الرحمن ولدا.. فما يتّخذ الولد، إلّا ليسدّ حاجة فى نفس والديه.. واللّه سبحانه وتعالى فى غنى مطلق عن أن يحتاج إلى شىء، فكل ما فى السموات والأرض ملك للّه، خاضع لمشيئته، كلهم عبد، وعابد له..
وقوله تعالى :« لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً ».
هو بيان لقدرة اللّه تعالى، وسلطانه على هذا الوجود، وأن كلّ موجود فيه ـ صغر أم كبر ـ هو بيد القدرة الممسكة به، العالمة بكل ما فى ظاهره وباطنه.. وكل إنسان سيأتى يوم القيامة فردا، لا يصحبه أهل، ولا ولد، ولا مال، ولا متاع.. فهؤلاء الضالّون محصون فى علم اللّه، معروفون بذواتهم وأعمالهم، ومعدود عليهم كل نفس يتنفسونه، فلا يقع فى ظنهم أنهم غائبون عن اللّه، تائهون فى خضمّ هذا الوجود..!
قوله تعالى :« إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ».
وأهل الفوز من الناس جميعا، هم أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات..
فهؤلاء، حين يأتى الناس يوم القيامة، ولا شىء معهم ـ سيأتون هم ومعهم صالح أعمالهم، التي تقربهم إلى اللّه، وتدنيهم من رحمته، وتنزلهم منازل مودّته وألطافه..