ج ٨، ص : ٨٣٦
تجىء منها الطاعة، كما يجىء منها العصيان! وهو بهذا العصيان قد « غوى » أي ضلّ، إذ اتبع الجانب المنحرف من إرادته، ولم يتبع الجانب المستقيم منها.
قوله تعالى :« ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى »..
إشارة إلى أن اللّه سبحانه، قد تجاوز لآدم هذا، عن فعلته تلك..
إذ كانت أول زلّة له، وهو يضع أول قدم له على طريق الإنسانية.. ثم هداه ربّه بعد هذا، وثبت قدمه على الأرض، بما فتح له عقله من آفاق واسعة فيها، لا تزال نتسع يوما بعد يوم.. إلى ما شاء اللّه.
قوله تعالى :«قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى » والهبوط هنا، هو الخروج من الجنة أو الغابة، إلى حيث الحياة الواسعة الرحيبة..
والخطاب هنا للآدميين، الذين خرجوا من عالم الغابة، إلى عالم الإنسان فى شخص آدم وزوجه.. وهم فى هذا العالم، متنافسون، متنازعون، متعادون..
تنفرق بهم السبل، وتنحرف الاتجاهات.. وقد كان من رحمة اللّه بهم أن بعث فيهم رسله، يحملون فى أيديهم مصابيح الهدى.. فمن اتبع هدى اللّه، فلا يضلّ ولا يشقى.. ومن أبى، وأعرض عن ذكر اللّه والاستقامة على هداه، فإنه سيحيا فى هذه الدنيا حياة تعسة ضالة، يضرب فيها فى ظلام، لا يرى فيه بصيصا من الأمل والرجاء.. ثم يحشر يوم القيامة أعمى، حيث يشتد به


الصفحة التالية
Icon