ج ٩، ص : ١٠٣٢
وهذه المراسم، إنما أدّاها الحاجّ امتثالا لأمر اللّه، وولاء وطاعة لما أمر به، وإنه ليس للعبد المؤمن باللّه، أن يراجع اللّه فيما يأمره به، وأن يطلب الحكمة لهذا الأمر.. وإنما المطلوب منه، هو أن يمتثل، ويأتى ما أمر به من غير تردد..
فهذا ابتلاء من اللّه، يبتلى به عباده، ليظهر منهم ما هم عليه من طاعة أو عصيان.
وقد كان أمر الملائكة بالسجود لآدم، ابتلاء وامتحانا لهم، فسجد الملائكة، وأبى إبليس أن يسجد، وقال :« أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » (١٢ : الأعراف). فكان من الهالكين..
فهذه الأعمال التي يأتيها الحجيج، هى امتحان وابتلاء لهم، فى باب الطاعة والامتثال لأمر اللّه، فى غير تردد أو مراجعة.. وإلا فهو العصيان والكفر..
نعوذ باللّه منهما.
وتعالت حكمة اللّه.. فإنه سبحانه وتعالى، لم يبتل المؤمنين بهذه الأعمال ابتداء، ولم يلقهم بها على أول طريق الإيمان، بل جاءهم بها بعد أن يكون المؤمن منهم قد قطع شوطا طويلا على طريق الإيمان، حتى اطمأن قلبه به، وسكنت نفسه إليه، وثبتت قدمه عليه.
فأولا : فى مسيرة الدعوة الإسلامية، لم يفرض الحجّ إلا فى زمن متأخر، حيث فرض بعد الصلاة، والصيام، والزكاة، وكان بهذا آخر ما فرض من أركان الإسلام.
وهذا يعنى أن المسلمين الذين خرجوا من الجاهلية إلى الإسلام، قد التقوا بالحج، بعد تلك الفترة التي عاشوها فى الإسلام.. يؤمنون بوحدانية اللّه، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان.. وتلك فترة كافية لتثبيت قواعد الإيمان فى قلوبهم، وإجلاء كل داعية من دواعى الوثنية والشرك منها.