ج ٩، ص : ١٠٤٠
فاشكروا له، بهذا البذل، الذي تبذلونه من لحومها، لمن ترون أنه محتاج، ولو لم يسأل.. ، وكذلك غير المحتاج من أهل وأصدقاء..
قوله تعالى :« لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ».
أي أن هذه البدن التي تقدمونها قربانا، و، تطعمون منها وتطعمون، هى فى الواقع نفع خالص لكم.. فليس للّه سبحانه وتعالى ـ وهى من عطاياه ـ شىء منها، وليس فى تقديمها قربانا للّه، وإطعام من تطعمون منها ـ ما يصل إلى اللّه منه شىء.. فهذا كل شىء منها هو بين أيديكم : لحمها قد أكلتموه، ودمها قد أريق على الأرض.. ومع هذا فهى قربان لكم، تتقربون به إلى اللّه، وتثابون عليه.
ـ وقوله تعالى :« وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ » إشارة إلى أنه ليس المقصود من هذه الهدايا ذبحها، وأكل لحمها.. وإنما المراد أولا وبالذات، هو امتثالكم لأمر اللّه، وإمضاء دعوته، فيما يدعوكم إليه، من التضحية بشىء عزيز عليكم، حبيب إلى نفوسكم، وبهذا تحسبون فى أهل التقوى من عباد اللّه.. وهذا هو الذي يناله اللّه منكم، ويتقبله من أعمالكم.. إنه التعبّد للّه، والولاء له، والاستجابة لأمره..
وفى التعبير عن تقبّل اللّه سبحانه وتعالى للطاعات من عباده « بالنيل » ـ تفضّل من اللّه سبحانه وتعالى على عباده المتقين، وإحسان مضاعف منه إليهم، إذ جعل طاعتهم، وتعبدهم له ـ إحسانا منهم إليه، سبحانه وتعالى.. وهذا شبيه بقوله تعالى :« مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً » (٢٤٥ : البقرة).
فهو سبحانه وتعالى ـ فضلا وكرما وإحسانا منه ـ يعطى، ويقترض ممن أعطاه!


الصفحة التالية
Icon