ج ٩، ص : ١٠٤٤
أنفاسه، ويقدم نفسه قربانا للّه فى سبيل الدفاع عن دين اللّه، وعن ينابيع الرحمة والخير المتدفقة منه.
ـ وفى قوله تعالى :« بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا » هو تعليل للإذن الذي أذن فيه للمؤمنين بالقتال..
والمعنى : أنه قد أذن اللّه للذين يقاتلون أن يقاتلوا من يقاتلهم، بسبب أنهم ظلموا بالتعدّى عليهم، وبمبادأتهم بالقتال.. فهو قتال دفاع منهم، لا قتال هجوم.. ولهذا، فإنهم مؤيّدون بنصر اللّه، « وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ».
إذ في يده سبحانه القوى كلها، وإنه لا غالب للّه.. وفى هذا تحريض للمظلوم ـ وإن كان ضعيفا ـ أن ينتصف ممن ظلمه، فإنه على وعد بنصر اللّه له.
قوله تعالى :« الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ.. إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ».
هو بيان الحال هؤلاء الذين أذن اللّه لهم أن يقاتلوا.. ف قوله تعالى :« الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ » ـ هو بدل من قوله تعالى :« لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ » فهؤلاء الذين يقاتلون، وأذن لهم فى قتال مقاتليهم ـ هم أولئك المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم ظلما وعدوانا « بِغَيْرِ حَقٍّ ».
. فإنهم لم يجنوا على أحد، ولم يكرهوا أحدا على أمر، وإنما كل جنايتهم ـ إن كانت هناك جناية ـ هى إيمانهم باللّه، وقولهم ربنا اللّه الواحد، الذي لا شريك له.. فهل فى هذا عدوان على أحد، أو ضرر يعود على أحد ؟. ولكنّ أهل الضلال والبغي ينظرون بعيون مريضة، ويحكمون على الأمور بعقول فاسدة، فيرون النور ظلاما، والخير شرا، والإحسان إساءة..


الصفحة التالية
Icon