ج ٩، ص : ١١٤٢
ولم يجر ذكر هنا لبنى إسرائيل، وإنما جىء بضمير الغيبة عنهم بدلا منهم، إشعارا لما كان عليه القوم من عناد، وخلاف، ومكر بآيات اللّه، حتى لكأنهم ـ وهم يسمعون آيات اللّه، ويرون المعجزات التي يطلع بها عليهم موسى ـ غائبون غير حاضرين، لما فى قلوبهم من قسوة، وما فى طبائعهم من التواء.
قوله تعالى :«وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ » هو معطوف على قوله تعالى :« وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ».
. أي آتينا موسى الكتاب، وجعلنا ابن مريم وأمّه آية.. لبنى إسرائيل لعلهم يهتدون، وذلك أن عيسى عليه السلام هو رسول إلى بنى إسرائيل، وآية من آيات اللّه فيهم.. وتلك الآيات القاهرة المتتابعة، هى مظاهرة لحجة اللّه على هؤلاء القوم، حتى إذا لم يستجيبوا لها، كان العذاب الواقع بهم أضعافا مضاعفة، لما يحلّ بغيرهم من عباد اللّه.
وفى الإشارة إلى عيسى عليه السلام بقوله تعالى :« ابْنَ مَرْيَمَ » إشارة إلى النسب الصحيح له.. وهو أنه ابن أمّه مريم.. وليس ابن إله كما يدّعى النّصارى، ولا ابن زنا كما يفترى اليهود.. « إنه ابن مريم » ! وقد اختلف فى الربوة ـ وهى المكان المرتفع من الأرض ـ التي آوى اللّه سبحانه وتعالى، إليها ابن مريم وأمّه.. والراجح عندنا أنها مصر.. التي جاء إليها المسيح طفلا محمولا على صدر أمه، مع زوجها يوسف النّجار.. وذلك حين أوحى اللّه إلى مريم أن تهرب بوليدها إلى مصر، خوفا عليه من الحاكم الرومانى، الذي طلبه ليقتله، حين سمع بمولده.. كما يحدّث بذلك إنجيل متّى.