ج ٩، ص : ٨٤٦
التفسير :
مناسبة هذه السورة لما قبلها : ختمت سورة طه بالتنديد بالمشركين من أهل مكة، وبمشاقّتهم لرسول اللّه، وتأبّيهم على الهدى الذي يدعوهم إليه، ثم إنهم وقد بعث اللّه فيهم رسولا بلّغهم رسالة ربّه، فلا حجة لهم على اللّه، إذا أخذهم بعذابه، ولا سبيل لهم إلى أن يقولوا :« رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى ».
. ثم تختم السورة بهذا النذير المطلّ عليهم، وقد تركوا بمنقطع الطريق، بعيدين عن أن يضعوا أقدامهم على طريق الهدى :
« قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى ».
وفى مفتتح هذه السورة ـ سورة الأنبياء ـ تطلّ على المشركين نذر هذا اليوم، وهم على موعد معه، وإن كانوا فى غفلة وذهول عنه.. « اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ، وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ »..
قوله تعالى :« اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ».
الناس هنا، هم هؤلاء المشركون، من أهل مكة، ثم يدخل معهم كلّ الناس، الذين غفلوا عن ذكر اللّه، وعن العمل ليوم الجزاء..
وفى النظم القرآنى « اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ » وفى الخروج به عن مألوف النظم، وهو :« اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ » ـ فى هذا توكيد لحسابهم، وشدّهم به شدّا وثيقا لا يفلتون منه.. وشتان بين النظمين : اقترب للناس حسابهم..
واقترب حساب الناس..!