ج ٩، ص : ٨٥٩
تلك الخشيه ؟ كما يقول سبحانه :« وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ » (١٣ : الرعد) والجواب على هذا، هو أن الملائكة لقربهم من اللّه سبحانه وتعالى، ولكمال معرفتهم بماله سبحانه وتعالى من جلال وكمال ـ هم أكثر عباد اللّه ولاء للّه، وانقيادا له، وفناء فيه.. فمن كان باللّه أعرف كان منه أخوف، ومن كان إلى اللّه أقرب كان لجلاله وسلطانه أرهب.! يقول اللّه سبحانه وتعالى :
« إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ».
. فالعلماء باللّه، العارفون به، هم أكثر الناس خشية له، وولاء لذاته.. والملائكة يعلمون أكثر مما يعلم العالمون من جلال اللّه وسلطانه، وعظمته..
وقوله تعالى :« أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ » هو تسفيه لعقول هؤلاء المشركين، الذين يعبدون مما على الأرض، من ناطق أو صامت، مثل أولئك الذين اتخذوا من البشر آلهة، أو من الأحجار أصناما ينحتونها ويعبدونها.. فهؤلاء أحمق عقولا، وأغلظ جهلا من أولئك الذين عبدوا الملائكة، وإن كان هؤلاء وأولئك جميعا فى ضلال مبين..
فلا الملائكة المقربون، ولا الجن، ولا البشر، ولا الأحجار، ولا أي شىء مما خلق اللّه، مما يصح فى عقل عاقل أن يجعل له إلى اللّه نسبا، فضلا عن أن يجعله إلها مع اللّه، يشاركه التصريف والتدبير.
وفى قوله تعالى :« مِنَ الْأَرْضِ » إشارة إلى مدى الانحطاط العقلي، الذي وصل إليه أولئك الذين يعبدون ما على هذه الأرض من مخلوقات.. فهى من معدن هذا التراب الذي تدوسه الأقدام، فكيف يكون هذا التراب المشكّل فى أي صورة من الصور، إلها يعبد من دون اللّه، ويرجى منه ما يرجو المؤمنون باللّه، من اللّه رب العالمين ؟.