ج ٩، ص : ٨٦١
فالإنسان مثلا، وهو العالم الأصغر، الذي يناظر العالم الأكبر.. يقوم على ملكة التفكير فيه، عقل واحد.. ويقوم على تغذيته بالدم ـ الذي هو ملاك حياته ـ قلب واحد..
وتصوّر أن يكون لإنسان عقلان.. ماذا يكون حاله ؟ وكيف يكون مقامه فى عالم البشر ؟ إن لكل عقل مدركات، وتصورات وتقديرات.. فبأى عقل يسير ؟ وبأى عقل يحكم على الأشياء ويتعامل معها ؟ إنه بهذين العقلين إنسانان لا إنسان واحد..
إنه ذو شخصية مزدوجة، تتصارع فيها العواطف والنوازع، وتقتتل فيها الآمال والرغبات، ثم لا يسكن هذا الصراع، ولا ينتهى هذا القتال، حتى يتحطم هذا الكائن العجيب، الإنسان.. له رأسان، أو عقلان..!
وقل مثل هذا فى القلبين، اللذين يفسد أحدهما عمل الآخر، وينقض أحدهما ما بناه صاحبه..
واللّه سبحانه وتعالى يقول :« ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ » (٤ : الأحزاب).
وقل مثل هذا فى الجماعات البشرية.. إن كل جماعة يجب أن يكون على رأسها رأس واحد.. وإلّا فالتنازع والتصادم، والفساد..!
وقوله تعالى :« فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ »..
هو تنزيه للّه سبحانه عما يصفه به الواصفون، من صفات لا تخصّه بالكمال المطلق، بل تجعل له شريكا فيها، ويكون له بمقتضى ذلك سلطان مع سلطان اللّه، وعرش كعرش اللّه.. فاللّه سبحانه منزه عن أن يكون على تلك الصفة..
إنه سبحانه الإله المتفرد بالخلق والأمر..