ج ٩، ص : ٩٣٤
جميعا، لم يستبدّ به الجزع، ولم تستول عليه الحيرة، ولم تحرقه أنفاس الضيق والألم.. بل ظلّ مجتمع النفس، ساكن الفؤاد، رطب اللسان بذكر اللّه..
فلما اشتد به الكرب، ورهقه البلاء، وأراد أن يذكر نفسه، ويشكو لربّه ما يجد، لم يزد على أن يقول بلسان رطب بالصبر، وبأنفاس نديّة بالإيمان :
« أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » وكان أن سمع اللّه دعاءه، واستجاب له..
« فَاسْتَجَبْنا لَهُ.. فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ.. رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ ».
وهكذا يجزى اللّه المحسنين الصابرين.. كما يقول سبحانه :« إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ».
. لقد كشف اللّه عن أيوب الضر الذي أصابه فى جسده، ورزقه من البنين والأموال ضعف الذي ذهب منه..
وقوله تعالى :« رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا » أي أن ذلك العطاء كان رحمة منّا، أصبنا بها عبدا من عبادنا المخلصين.
وقوله تعالى :« وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ » معطوف على « رحمة » أي وكان ذلك الذي فعلناه بعبدنا « أَيُّوبَ » تذكرة وموعظة « لِلْعابِدِينَ » أي الذين يعبدون اللّه، ويحسنون عبادته، ويصطبرون عليها..
فالعابدون بما لهم من صلة باللّه، ربّما يقع فى نفوسهم أنهم بمنجاة من الابتلاء بالشر، إذ لا يكاد يقع فى تصوّر الناس أن من وثّق طلته باللّه، وتقرب بالعبادات والطاعات إليه، هو فى مأمن مما يقع للناس من ضرّ وأذى، فى نفسه أو ولده أو ماله.. وإلّا فما ثمرة هذه الصلة، وما فضل الطائعين على العاصين، والأولياء على الأعداء ؟


الصفحة التالية
Icon