ج ٩، ص : ٩٣٦
والضرّ ؟ وإذا لم يكن الإحسان.. فهلا كانت العافية من البلاء ؟ وإذا كان هذا الابتلاء مرادا لغاية هى تطهير النفوس، وتزكيتها، وتخليصها من الآفات والعلل.. فهلا كان ذلك بالإحسان والإنعام.. وقدرة اللّه لا يعجزها شىء، ولا يحدّها حدّ، ولا يقيدها قيد ؟
والجواب عن هذا كله :
أولا : أن اللّه سبحانه وتعالى كما ابتلى بالخير، ابتلى بالشر، كما يقول سبحانه وتعالى :« وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً » (٣٥ : الأنبياء).. وقد ابتلى اللّه ـ سبحانه ـ سليمان عليه السلام بالكثير الغدق من النعم، فسخّر له الريح والجنّ، وعلّمه لغة الحيوان والطير، وجعلها جنودا من جنده، ووضع بين يديه من القوى الظاهرة والخفية، ما جعل له ملكا وسلطانا لم يكن لأحد من بعده كما يقول اللّه سبحانه وتعالى :« قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ » (٣٥ : ص) وقد أجاب اللّه سبحانه وتعالى ما طلب، فقال سبحانه :« فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ »
(٣٦ ـ ٣٩ : ص) حتى إن سليمان نفسه ليستكثر هذا الإحسان الذي لا يكاد يتسع له وجوده، فيقول :« يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ » (١٦ : النمل) وحتى إنه ليجد نفسه عاجزا عن الوفاء بشكر القليل من هذا الفضل العظيم، فيقول :« رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ » (١٩ : النمل).
فالابتلاء بالإحسان والخير، عند من يعرف قدر الإحسان، وفضل المحسن وجلاله وعظمته ـ لا يقلّ مئونة وعبئا، عن الابتلاء بالمساءة والضر.. إنه ابتلاء!