ج ٩، ص : ٩٣٨
« أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ـ أن يحلّ علىّ غضبك، أو ينزل بي سخطك.
« لك العتبى حتى ترضى..
« ولا حول ولا قوة إلا بك.. »

إنها مناجاة، يتنفس فيها النبي أنفاس العافية، ويطعم منها طعم الرضا، ولهذا طالت تلك المناجاة، ومشت كلماتها الهوينا على شفتى رسول اللّه، كأنها تحمل أثقالا من الهموم التي ألمت به، وتنطلق بها فى قافلة طويلة ممتدة بين الأرض والسماء!! ثم انظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد، وقد أحاط به المشركون، وتعاورته سهامهم ورماحهم، وكادت تصل إليه سيوفهم، وقد شجّ صلوات اللّه وسلامه عليه، وكسرت ثنيتاه، واستشهد كثير من أصحابه، وأحبابه، ومن بينهم عمه، أسد اللّه، حمزة بن عبد المطلب. ومع هذا، فما قال النبي فى هذا المقام، إلا القولة التي لا يقولها إنسان غيره فى هذه الدنيا..
قال ـ صلوات اللّه وسلامه عليه :« اللهم اهد قومى، فإنهم لا يعلمون » !! وكما ابتلى اللّه سبحانه، أولياءه بالبأساء والضراء، ابتلى أعداءه بالنعماء والسراء، فكان ذلك بلاء عليهم، ونقمة من نقم اللّه بهم.. لقد زادتهم تلك النعم بعدا عن اللّه، وعمى عن الحق، وضلالا عن الهدى.
والقرآن الكريم يذكر لنا قارون، كمثل من أمثلة الابتلاء بالنعم، عند من لا يقدر على الوفاء بها، ولا يقدرها قدرها، فكان أن عجل اللّه له الهلاك فى الدنيا، ثم أعدّ له عذاب السعير فى الآخرة.. وكذلك فرعون، الذي بسط له فى السلطان، وأمدّه بموفور النعم، فما زاده ذلك إلا كفرا باللّه، ومحادة له..
فمات تلك الميتة الشنعاء، وكان مثلا وعبرة لأولى الأبصار..


الصفحة التالية
Icon