ج ٩، ص : ٩٤٧
وأنه لا حاجة إلى هذا التكلّف، لإيجاد وجه لجمع الظلمات.. والبحر نفسه هو ظلمات، وبطن الحوت ظلمات وظلمات.. فما الحاجة إلى الليل، حتى تصبح الظلمة ظلمات ؟ وهل فى أعماق البحر، أو فى جوف الحوت، حساب للّيل أو النهار، والظلام والنور ؟.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ » (٤٠ : النور) إن ما فى أعماق البحر، ليست ظلمات وحسب، وإنما هى ظلمات، فوق ظلمات، فوق ظلمات! وقوله تعالى :« فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ » أي أن اللّه سبحانه قد استجاب دعاء يونس، ونجّاه مما هو فيه من غمّ، وكذلك ينجى اللّه المؤمنين، مما ينزل بهم من سوء، وما يصيبهم من بلاء..
ويونس لم يدع إلا بقوله :« لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ».
. فهو دعاء لم يطلب فيه نجاة أو خلاصا من هذا البلاء الذي هو فيه.. ففيم استجاب اللّه له ؟
والجواب ـ واللّه أعلم ـ أنه دعا بأفضل دعاء يقتضيه حاله، ويطلبه موقفه.
إنه قد أتى من قبل نفسه، وإنّ نفسه هى التي أوقعته فى هذا البلاء، ودفعت به إلى هذا الموقف الذي هو فيه، فهو فى دعائه هذا يطلب البراءة من نفسه، والنجاة من شباكها، وذلك بإخلاص العبودية للّه، والبراءة من كل شىء، حتى من نفسه هذه، والاستسلام للّه الذي لا إله إلا هو..
وإنه إذا خلص من نفسه، وبرىء من أهوائها ونوازعها، فقد خلص من كل سوء، وأمن كل مكروه.. ومن هنا كان خلاصه من بطن الحوت، وكانت نجاته من هذا البلاء.. وهكذا كل من يضيف وجوده إلى اللّه،


الصفحة التالية
Icon