أحدها : آيات أمرت بقتال الدفاع كقوله تعالى :﴿ وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ﴾ [ التوبة : ٣٦ ]، وقوله :﴿ الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ]، وهذا قتال ليس للإكراه على الإسلام بل هو لدفع غائلة المشركين.
النوع الثاني : آيات أمرت بقتال المشركين والكفّار ولم تغيّ بغاية، فيجوز أن يكون إطلاقها مقيّداً بغاية آيةِ ﴿ حتى يعطوا الجزية ﴾ [ التوبة : ٢٩ ] وحينئذ فلا تعارضه آيتنا هذه ﴿ لا إكراه في الدين ﴾.
النوع الثالث : مَا غُيِّيَ بغاية كقوله تعالى :﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ﴾ [ البقرة : ١٩٣ ]، فيتعين أن يكون منسوخاً بهاته الآية وآيةِ ﴿ حتى يعطوا الجزية ﴾ [ التوبة : ٢٩ ] كما نُسخ حديثُ " أمرتُ أن أقاتل الناس " هذا ما يظهر لنا في معنى الآية، والله أعلم.
ولأهل العلم قبلنا فيها قولان : الأول قال ابن مسعود وسليمان بن موسى : هي منسوخة بقوله ﴿ يأيها النبي جاهد الكفّار والمنافقين ﴾ [ التوبة : ٧٣ ]، فإنّ النبي ﷺ أكره العرب على الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلاّ به.
ولعلهما يريدان من النسخ معنى التخصيص.
والاستدلال على نسخها بقتال النبي ﷺ العربَ على الإسلام، يعارضه أنّه عليه السلام أخذ الجزية من جميع الكفّار، فوجه الجمع هو التنصيص.
القول الثاني أنها محكّمة ولكنّها خاصة، فقال الشعبي وقتادة والحسن والضحاك هي خاصة بأهل الكتاب فإنّهم لا يُكْرَهون على الإسلام إذا أدّوا الجزية وإنّما يجبر على الإسلام أهل الأوثان، وإلى هذا مال الشافعي فقال : إنّ الجزية لا تؤخذ إلاّ من أهل الكتاب والمجوسِ.
قال ابن العربي في الأحكام " وعلى هذا فكل من رأى قبول الجزية من جنسٍ يَحمل الآية عليه"، يعني مع بقاء طائفة يتحقق فيها الإكراه.


الصفحة التالية
Icon