وهذه إحدى الآيات الدالة على أن الإسلام لم يبتن على السيف والدم، ولم يفت بالإكراه والعنوة على خلاف ما زعمه عدة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم أن الإسلام دين السيف واستدلوا عليه : بالجهاد الذي هو أحد أركان هذا الدين.
وقد تقدم الجواب عنه في ضمن البحث عن آيات القتال وذكرنا هناك أن القتال الذي ندب إليه الإسلام ليس لغاية إحراز التقدم وبسط الدين بالقوة والإكراه، بل لإحياء الحق والدفاع عن أنفس متاع للفطرة وهو التوحيد، وأما بعد انبساط التوحيد بين الناس وخضوعهم لدين النبوة ولو بالتهود والتنصر فلا نزاع لمسلم مع موحد ولا جدال، فالإشكال ناش عن عدم التدبر.
ويظهر مما تقدم أن الآية أعني قوله :" لا إكراه في الدين" غير منسوخة بآية السيف
كما ذكره بعضهم.
ومن الشواهد على أن الآية غير منسوخة التعليل الذي فيها أعني قوله :" قد تبين الرشد من الغي"، فإن الناسخ ما لم ينسخ علة الحكم لم ينسخ نفس الحكم، فإن الحكم باق ببقاء سببه، ومعلوم أن تبين الرشد من الغي في أمر الإسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف، فإن قوله :" فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" مثلا، أو قوله :" وقاتلوا في سبيل الله" الآية لا يؤثران في ظهور حقية الدين شيئا حتى ينسخا حكما معلولا لهذا
وبعبارة أخرى الآية تعلل قوله :" لا إكراه في الدين" بظهور الحق، هو معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله، فهو ثابت على كل حال، فهو غير منسوخ. أ هـ ﴿الميزان حـ ٢ صـ ٣٤٣ ـ ٣٤٤﴾


الصفحة التالية
Icon