فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى ذكر هاهنا قصصاً ثلاثة : الأولى : منها في بيان إثبات العلم بالصّانع، والثانية والثالثة : في إثبات الحشر والنشر والبعث، والقصة الأولى مناظرة إبراهيم ﷺ مع ملك زمانه وهي هذه الآية التي نحن في تفسيرها فنقول :
أما قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ فهي كلمة يوقف بها المخاطب على تعجب منها، ولفظها لفظ الاستفهام وهي كما يقال : ألم تر إلى فلان كيف يصنع، معناه : هل رأيت كفلان في صنعه كذا.
أما قوله :﴿إِلَى الذى حَاجَّ إبراهيم فِى رِبّهِ﴾ فقال مجاهد : هو نمروذ بن كنعان، وهو أول من تجبر وادعى الربوبية، واختلفوا في وقت هذه المحاجة قيل : إنه عند كسر الأصنام قبل الإلقاء في النار عن مقاتل، وقيل : بعد إلقائه في النار، والمحاجة المغالبة، يقال : حاججته فحججته، أي غالبته فغلبته، والضمير في قوله ﴿فِى رِبّهِ﴾ يحتمل أن يعود إلى إبراهيم، ويحتمل أن يرجع إلى الطاعن، والأول أظهر، كما قال :﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِى الله﴾ [ الأنعام : ٨٠ ] والمعنى وحاجه قومه في ربه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٩ ـ ٢٠﴾
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾
هو النُّمْروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح مِلك زمانه وصاحبُ النار والبَعُوضَة! هذا قول ابن عباس ومجاهد وقَتادة والرّبيع والسُّدِّي وابن إسحاق وزيد بن أسلم وغيرهم.
وكان إهلاكه لما قصد المحاربة مع الله تعالى بأن فتح الله تعالى عليه باباً من البَعُوض فستروا عين الشمس وأكلوا عسكره ولم يتركوا إلا العظام، ودخلت واحدة منها في دماغه فأكلته حتى صارت مثل الفأرة ؛ فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عَتيدَة لذلك، فبقي في البلاء أربعين يوماً.
قال ابن جُريج : هو أوّل ملِك في الأرض.
قال ابن عطية : وهذا مردود.
وقال قتادة : هو أوّل من تجبّر وهو صاحب الصَّرْح ببَابِلَ.
وقيل : إنه ملك الدنيا بأجمعها ؛ وهو أحد الكافرينْ ؛ والآخر بُخْتَنَصَّر.
وقيل : إن الذي حاجّ إبراهيم نمروذ بن فالخ بن شالخ بن أرفخشد بن سام ؛ حكى جميعه ابن عطية.
وحكى السهيليّ أنه النمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح وكان ملكاً على السواد وكان ملّكه الضحاك الذي يعرف بالازدهاق واسمه بيوراسب بن أندراست وكان ملك الأقاليم كلها، وهو الذي قتله أفريدون بن أثفيان ؛ وفيه يقول حبيب :