وقال في قصة نوح عليه السلام :﴿ قَالُواْ يا نوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾ [ هود : ٣٢ ] الآياتِ إلى قوله :﴿ وَأَنَاْ بريء مِّمَّا تُجْرَمُونَ ﴾ [ هود : ٣٥ ].
وكذلك مجادلة موسى مع فرعون إلى غير ذلك من الآي.
فهو كله تعليم من الله عز وجل السؤال والجواب والمجادلة في الدِّين ؛ لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل.
وجادل رسول الله ﷺ أهل الكتاب وباهَلَهُم بعد الحجة، على ما يأتي بيانه في " آل عمران".
وتحَاجّ آدم وموسى فغلبه آدم بالحجة.
وتجادل أصحاب رسول الله ﷺ يوم السّقِيفَة وتدافعوا وتقرّروا وتناظروا حتى صدر الحق في أهله، وتناظروا بعد مبايعة أبي بكر في أهل الردّة، إلى غير ذلك مما يكثر إيراده.
وفي قول الله عز وجل :﴿ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [ آل عمران : ٦٦ ] دليل على أن الاحتجاج بالعلم مباح شائع لمن تدبر.
قال المُزنِيّ صاحب الشافعيّ : ومِن حق المناظرة أن يراد بها الله عز وجل وأن يُقبل منها ما تبيّن.
وقالوا : لا تصح المناظرة ويظهر الحق بين المتناظرين حتى يكونوا متقاربين أو مستويين في مرتبة واحدة من الدين والعقل والفهم والإنصاف، وإلاّ فهو مِرَاءٌ ومكابرة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٨٦ ـ ٢٨٧﴾
فائدة
قال القرطبى :
ذكر الأصوليون في هذه الآية أن إبراهيم عليه السلام لما وصف ربه تعالى بما هو صفة له من الإحياء والإماتة لكنه أمر له حقيقة ومجاز، قصد إبراهيم عليه السلام إلى الحقيقة، وفَزِع نمروذ إلى المجاز ومَوّه على قومه ؛ فسلّم له إبراهيم تسليم الجدل وانتقل معه من المثال وجاءه بأمر لا مجاز فيه ﴿ فَبُهِتَ الذي كَفَرَ ﴾ أي انقطعت حجته ولم يمكنه أن يقول أنا الآتي بها من المشرق ؛ لأن ذوي الألباب يكذبونه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٨٦﴾