وقوله :﴿ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ﴾ تفريع على قوله :﴿ قد تبيّن الرشد من الغي ﴾ إذ لم يبق بعد التبيين إلاّ الكفرُ بالطاغوت، وفيه بيان لنفي الإكراه في الدين ؛ إذ قد تفرّع عن تميّز الرشد من الغي ظهور أنّ متّبع الإسلام مستمسك بالعروة الوثقى فهو ينساق إليه اختياراً.
والطاغوت الأوثان والأصنام، والمسلمون يسمّون الصَّنم الطاغية، وفي الحديث :" كانوا يهلون لمناة الطاغية " ويجمعون الطاغوت على طواغيت، ولا أحسبه إلاّ من مصطلحات القرآن وهو مشتق من الطغيان وهو الارتفاع والغلو في الكبر وهو مذموم ومكروه.
ووزن طاغوت على التحقيق طَغَيُوت فَعَلُوت من أوزان المصادر مثل مَلَكوت ورَهَبوت وَرَحَمُوت فوقع فيه قلب مكاني بين عينه ولامه فصيرُ إلى فَلَعوت طيَغوت ليتأتى قلب اللام ألفاً فصار طَاغوت، ثم أزيل عنه معنى المصدر وصار اسماً لطائفة مما فيه هذا المصدر فصار مثل مَلَكوت في أنه اسم طائفة مما فيه معنى المصدر لا مثل رَحَموت ورهبوت في أنّهما مصدران فتاؤه زائدة، وجعل علماً على الكفر وعلى الأصنام، وأصله صفة بالمصدر ويطلق على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كشأن المصادر.
وعطف ﴿ ويؤمن بالله ﴾ على الشرط لأنّ نبذ عبادة الأصنام لا مزيّة فيه إن لم يكن عَوّضها بعبادة الله تعالى.
ومعنى استمسك تمسك، فالسينُ والتاء للتأكيد كقوله :﴿ فاستمسكْ بالذي أُوحيَ إليك ﴾ [ الزخرف : ٤٣ ] وقوله :﴿ فاستجاب لهم ربهم ﴾ [ آل عمران : ١٩٥ ] وقول النابغة :" فاستنكحوا أمّ جابر" إذ لا معنى لطلب التمسك بالعروة الوثقى بعد الإيمان، بل الإيمان التمسك نفسه.
والعروة بضم العين ما يُجعل كالحلْقة في طرف شيء ليقبض على الشيء منه، فللدّلوْ عروة وللكُوز عُروة، وقد تكون العروة في حبل بأن يشدّ طرفه إلى بعضه ويعقد فيصير مثل الحلقة فيه، فلذلك قال في " الكشاف" : العروة الوثقى من الحبل الوثيق.


الصفحة التالية
Icon